"أهمية الانتحار في هذه المرحلة، وفوائد الانتحار التتابعي!"
د. إسلام المازني
لماذا هذه الكلمات؟
"أعلم
أن المنتحرين- والذين يفكرون في قتل أنفسهم من المسحوقين- قلما يقرؤون على
الشبكة، لكن عسى أن تصل بعض كلمات من رسائلنا إليهم نقلا وحكاية، أو إلى
من حولهم، فيبلغونها لهم مشافهة، أو نصية عبر الهاتف المحمول، باختيار جمل
وأشعار من هذه الرسالة، والمحمول في أيدي أكثر الناس..
وكذلك عسى أن تصل
الرسالة إلى المشجعين، الذين يريدون التغيير ولو بهذه الطريقة اللئيمة..
ويشجعون الفكرة ويرفضون تجريمها بدعوى انه غض للطرف عن تجريم الأنظمة التي
هي سبب.."
ألا هل لداعي اللّه في الأرض سامع = فإني بأمر اللّه يا قوم صادع
وهل من يرى للّه حقاً ومرجعاً = إليه وأن الدين لا شك واقع
وهل من يرى أن الحقوق التي دعا = إليها رسول اللّه غفل ضوائع
ثلاث رسائل قصيرة عبر الهاتف وصلتني كردود أفعال على موجة الانتحار:
"لدي مريض بحاجة إلى عشرة أكياس دم، وجزء من الكبد للتبرع، وحالات صعبة فعلى من يود الانتحار الاتصال بي لنأخذ كل الأعضاء السليمة"
"وماضاقت الدنيا الغرور وإنما = يضيق ضعيف العزم عن طلب الشغل"
" لو ركبوا قوارب الموت هربا لأوروبا لكان أفضل"
هذه كانت عينة لا أقرها لاختزالها وأسلوبها... والأن:
انتشر الانتحار بلمح البصر، نتيجة القهر؟ نعم، وكذلك نتيجة تمجيد المنتحر وجعله رمزا!
عيب وخيبة كبيرة أن يدافع العقلاء عن المنتحر!
عيب أن يصير شهيدا..!
ربطوا الجياد على الجهاد ورابطوا = يبغو الشهادة في رضا الوهاب
هذا لم يكن حادثا غرق فيه لا إراديا، أو مضمارا أرخص نفسه فيه لله تعالى، لتكون كلمة الله هي العليا...
لم
أقل أنه من العيب مواساة أهله، أو رجاء التجاوز الرباني عنه في دار القرار
لظروفه.. ولم أقل أن المنتحر سيء والحكومات صالحة جميلة حسناء غير فاجرة
ولا نازية..
وأنا لا أتكلم وأنا قاعد في بيتي خال من القهر، وأنظر
وأحلل وأتفلسف وأدين المحترق، بل دفعت ثمن كلامي مرارا وغاليا، وليس هذا
سرا, وهذا التنويه لا أقوله إلا لأنه لابد من قطع الطريق على الذين يلقون
بالتهم على الناطق، لرفض المنطق والمنطوق به! حرصا على الحقيقة وليس على
شخص، لأن التشويه يطال المعلومة ويطمسها، عندما يقال هؤلاء نخبة صالونات أو
دعاة سلبية.. ولا أبرئ نفسي لكن حسابها على الله.. ما لم يكن لأحد حق شخصي
فليأخذه.. ولا أحب الصالونات.. فاسمعوا قولي ثم تدبروه، وخذوا حقه ومجوا
باطله
وعلى أية حال فالقول- أي قول- لابد أن ينظر إليه، لا إلى من قاله، كما وضح العقلاء النبلاء من العلماء السالفين..
"انظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال"
فقد قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم عن إبليس: صدقك وهو كذوب
ولم يترك قوله لأنه صدر من شيطان مارد
تنتحر لظروف سيئة؟
والسعي في تحسينها = للمؤمنين من العباده
ما الانتحار لمستطي = عٍ أَن يعيش سوى بلاده
إثم نصيب المرء من = هُ عكس منزلة الشهاده
ما إن يحاوله امرؤ = ذو مسكة وله إراده
نعم..
نعزي
أهل المنتحرين وهم أهلنا، والذين ماتوا قطعة منا، ونعم.. هناك تعاطف واجب
مع المنتحرين جميعا، ولسنا قساة، بل هو الحزم والعدل وإن كان حدا وحادا،
وتعاطفنا ليس منة من أحد، وهناك رجاء التجاوز والصفح بلا شك، و نعم ثالثا..
لا يصح غض النظر عن الجرم الأكبر للنظام الذي دفع بالمنتحر للإحباط، بطحنه
ماديا ومعنويا، وبسرقة حقه -ككائن حي، وليس فقط كإنسان- وقهره، وكذلك بما
فعله من أنه رباه وربى الشعوب كلها على صورة شخص "مسخ" لا هو شرقي عريق،
ولا هو غربي صميم، من خلال إعلام خشبي تافه وعار، ومفرغ من القيم والإيمان،
بل ومفرغ كذلك من التفكير العملي الموضوعي، والمادي العقلاني الغربي، فلا
هو روحاني ولا هو نفعي، ولا هو أكاديمي حضاري تقني مبرمج، ولا هو بطل شجاع
أبي مناضل، ولا يخرج تعليمنا وإعلامنا وثقافتنا كوادر أوروبية تعمل وتنتج
وإن كانت بلا ملة.. حتى ذلك ضنوا به علينا، فلن نصير دولا متقدمة، ولن
يعلمونا-إلا تعرية المرأة- ولن يطورونا، وليس هذا المنتحر أي شخص بل هو كل
شخص، وليس ابن البلد المصري الأصيل، ولا ابن يعرب الأبي الأنف، ولا ابن
ال... الذي لا ينام ولا يستسلم، وما هو... إلا شخص مسكين سلب حقه في
التعليم الصحيح، وفي التربية وزرع معالم الخير، أو حتى معالم الحرص
والكياسة.. بل سلب حقه في الطعام والحركة والسفر بل وفي الكلام .. بل وفي
الإيمان، فضلا عن الحقوق الغريبة التي نسمع عنها: حقه في اختيار من يمثله
أو من يحكمه! هو أصلا لا يمثل شيئا.. عندهم، وكذلك عند نفسه!, بات أقصى
طموحه لقمة وسقف.. وألا يهان كثيرا...
وسلب حقه في الحياة، أي
حياة، لا كريمة ولا مهينة، وسلط عليه ثقافة وإعلام محبطان، ودافعان للقهر
واليأس من كل شيء، حتى من الدين ورجال الدين، الذي لن يكلف مالا ، فصار هشا
ينكسر بل يتفحم مع البلاء، بل يشعل نفسه، ويتفاعل بشكل غير مشروع وغير
معقول..
وليس نظاما واحد فعلها، بل تواطأت عصبة دولية على إبقاء
الوضع كما هو .. ولا يتغير إلا اضطرارا, وبطلب من صاحب مصلحة من الكبار..
إلا أن يفيق نصف العالم.. عالم نصفه ذئاب ونصف نعاج..
وءاخر من تكلم عن
تونس الحبيبة الرائعة، وعن محارقنا هو هيئة الأمم المنتحرة، هذه أشكال
كأقنعة الحفلات التنكرية، يعني لو خلعوا الوجوه ستجدهم كلهم نفس الشخص في
المجموعة الدائمة لمجلس الأنس...
على أية حال.. إدانة الانتحار هنا لا تختفي، ولا يحمل أحد وزر أحد، بل يحمل معه وزرا دون أن ينقص من وزره..
وإن
كنا نقول أن هناك فوق العقول من يفتنها بشتى الطرق والمغريات القذرة
ويحبطها بالصور الفجة الداعرة، وشاركه المجتمع المحيط بإنتاجه لثقافة سلبية
خانعة..
أمتنا لا تنتحر..
في الغرب وأقصى الشرق "اليابانيون" مارست طوائف منهم الانتحار الجماعي، والطوائف الضالة الكثيرة
وكم في مصر من غرّ غبيّ = تمتع بالجميل وبالثمين..
فهل سيلقي المصريون أنفسهم في ماء النيل؟
في مقابل ماذا؟
أحاجيك ما تبغيه من شرف القتل = ولم يرضه إلا ضعيف أخو جهل!
ولأين
أنت ذاهب؟ هل تضمن أن الألم هناك أقل؟ معك صك وعهد من الله؟ هل تضمن أنك
لن تجد نفس الوجوه الكالحة التي حطمت حياتك معك هناك؟ لفترة- تطهيرا لك- أو
للأبد!
لست من العشرة المبشرين بالجنة! تذكر هذا
تترك لهم الدنيا؟
ولا تقف بشرف ولا تكافح لتعول نفسك وتغير الكون، تتركه لهم بعد أن فعلوا بك
كل هذا؟ ولا تضمن أنك لن تعذب بجوارهم هناك؟ ولن تستطيع الرجوع لإصلاح ما
أفسدت والتوبة
المزهقون نفوسهم = لا يقدرون على الإعاده
ليسَ الفرار من التكا = فح للحياة من الجلاده
هناك
خلق كثيرون رأيتهم بعيني ظروفهم أصعب من كل المنتحرين الذين ظهروا،
وعناؤهم كان أطول زمنا بكثير وأشد مرارة، ولم ينتحروا، ولم يترددوا أصلا في
رفض هذا الخيار، وهو حل سلبي، وحتى حين يبدو اعتراضيا وتحذيريا فهو محرم
قبيح، والصلابة النفسية تصبر المرء، وهي لدى غير المؤمن كما المؤمن، ولكنها
أكبر وأجمل لدى المؤمن، وخير عاقبة ونتيجة، ومعها مدد يظهر للمستبصر ماديا
ومعنويا وألطاف كثيرة.
قل: اللهم املأ قلبي بحبك
بحق من أحياك، كفاك البكاء هائما كفاك، ما لذاك فائدة، ولا لذاك خلقت، لا تدع اليأس يستحكم
منك، ولا تعول على الانتحار فبئس القرار، ولا فضل لك ولا منك فيه!
رأيت الفتى يمشي مخافة فقره = الى الحتف أعمى، ضل واضحة السبل
يحاول أن يعزي الى الفضل بعدها = وما عد قتل النفس شيئاً من الفضل
إذا طاح من يأس عرفناه ساخراً = بأقضية الرحمن في حكمه العدل
أتنتحر
وتترك الحَياة لِهم؟ لينعموا ويضحكوا على غبائك، أتأتي معصية تؤذي فيها
بدنك، وقد كنت تأبى أن تصيبك في الله مصيبة في سبيل الطاعة، وتقول سأمشي
بجوار الحائط مخافة الأذى..
فالأن تفعل الأذى، ولا أجر لك ولا كرامة!
إذا انتحرت انتحار العير نجزرها = جئنا اليك بفحش الهجو تأبينا
فلا محاسن يوم الموت نذكرها = لو كنت إسكندرا أو كنت قارونا
ولا رواك الحيا إلا بداجنة = تسقي ضريحك زقوما وغسلينا
أتنتحر وتكون أَولَ هالِك في عائلتك بهذه الفعلة القبيحة؟
أشَرّ فعل البرايا فعل منتحر = وأفحش القول منهم قول مفتخر
لم
نقل ارض بالقدر ونم في فراشك، بل ارض بالقدر الرضا الصحيح الإيجابي وخذ
بأسباب التغيير، تنل رضا الراضين وشرف الساعين، وأجرا لا يضيع أيا كانت
النتيجة الدنيوية..
لا تحترقوا ولا تشجعوا الناس بهذا الشكل، وإلا فقد سلكتم غير سبيل المؤمنين
وهذا انتحار للأمة بشكل جديد.. حتى وإن أعقب نتيجة مادية لفترة، فإن المشهد الأخير ليس في الدنيا
وأوافيكم بما سطرت منذ فترة للمنتحر على فراشه بالإبرة المسماة بالموت الرحيم، وهي إحدى تجليات الحضارة -زعموا- الغربية:
لا تترك الذكر!
فتعلم من القرآن كيف تحفظ طاقتك وقلبك وعقلك وفكرك وثروتك، ولا تستجدي بها، ولا تشغف بالأمل، ولا تتلهف لاهثا..
اصبر
لأمر الله، في نومك ومرضك وكفاحك ونضالك! وتحقق تمام المعنى: {يَا عِبَادِ
لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} والمعنى
متحقق يقينا من الآن لكن تلك ساعة المعاينة ولمس الحقيقة وشهود النظر للرب
تبارك وتعالى، كما ترى القمر ليلة البدر لطالما سمعت نداء كتابه ودعاءه
وقرأت كلامه وتفكرت وآمنت بيقين معيته لك وإحاطته بك اليوم تراه اليوم تدخل
الباب باب الجنة!
الرحمة في الدنيا
ومفهوم الرحمة ليس فقط الفرج المادي فالدنيا ليست منتهى الأمل وغاية المنى! {أمرا من عندنا} {رحمة من ربك} (سورة الدخان).
هذا
وهو صلى الله عليه وسلم في جوع وظمأ وحصار وتعب وسخرية من السفهاء، وليست
من حكماء يريدون إقناعا! وهي سخرية مرة المذاق وتكذيب من الكذابين الفجار!
وهو الأمين! فكيف يكون حسك لو لقيت هذا؟ أهذا أم نومتك في العناية المركزة؟
سبحان الله إن كل من يتحقق من مسألة الموت الرحيم طبيبا كان أو مريضا لهو
في غيبوبة وليس المريض إن كان غافلا عن القرآن كأن الحق يناديك:
هذا هو الامتحان.. مقامك في الأرض.. وسأكون معك..
{فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون} فليس معنى أنك عبد صالح أو نبي! أني سأخرق لك السنن دوما بل سر وسأكون معك.
أنت في الامتحان وأنا معك، ومحيط بك، وفوق كل شيء والجزاء عندي والنتيجة من أمري لا تقلق
سبحان الله... {فأسر بعبادي ليلا}
نصيحة مادية عادية
وسط الظلام والهواء والبرد والحر وكل خطر سر
وأنا معكم
فوضوا الأمر
توكلوا علي
وثقوا بي
والجزاء لدي...
أحبابي
تعلمنا
من سلفنا أن كل شيء في الدنيا قرض مسترد، ونحن محفوفون بالموت، ولا نحفظ
أنفسنا من الآفات بسبيل، ولا وجودنا بيدنا، بل نحن عبيد مأمورون متصرف
فيهم! لا ملاك!
ليس لنا تأثير ولا ملك حقيقي! ففيم الاعتراض؟
{أمن يجيب المضطر}!
المضطر من نفذت أسبابه.. فماذا تعلم المؤمن من السعي بين الصفا والمروة وانتهائه بمعجزة فوران بئر زمزم؟
حين تسعى وتنفذ أسبابك لا تيأس!
تابع بقدر ما أوتيت من حياة ولا تيأس
حتى مع الشلل؟
نعم كل صفة تظهر في خلقه وكونه ولابد من عبودية لها وهي عبودية القلب لصفات الرب! وإلا فيقينه لعب!
فتأمل ثم اجمع بين الفهم والتطبيق! أي العمل والتصرف على ضوء فهمك وعلمك، وعلى أساس ما وصلك من صفات لله، وليس كأنك لا تعرف!
وإلا:
أيا مسلم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد
فلابد لك من معرفة صفة الله تعالى ثم التركيز فيها بقلبك والشعور بها! ثم تحسس أثرها في قلبك
ما التغير؟ ثم تعبد بها! ثم ادعه بها سبحانه! سله بكل اسم هو له! ثم انظر بماذا تشعر!
وجدت نفسك حين فتحت أنوار الكتاب وفهمت أنه ليس كلاما فصيحا فقط!
وصار صاحبك القرآن وفهمت ما لم يفهمه صحبك من حقوق وواجبات من حقائق باهرات ..
فهناك
حق العبودية بكل صفة له سبحانه! على كل مخلوق... فلو تيقنت وتعمق وترسخ
لديك العلم بقدرته، وبأن مقاليد الأمور وملكوت كل شيء والحياة والموت
والرزق والنفع والمنع بيده! وترسخ فيك كل هذا، فالنتيجة ستكون شعورا باطنيا
راقيا عاليا عميقا محركا لك! بالخضوع الداخلي والخارجي ، ويبدأ الأثر في
تصرفاتك واختياراتك وطريقك وعملك ومواقفك! واستغلالك لأوقاتك!
ولو لم يظهر؟
وجزعت مع الصدمة؟ أعيذك من هذا وأوصيك بالصدق وإتباع القول العمل
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل
هذا الأثر هو الثمرة الظاهرة ومعه تأتي الطمأنينة والإنابة والمحبة، وهي الثمرة الباطنة.
هذا سيعطيك قوة، ليست قوة الصبر على المصائب فقط، بل قوة عدم الخوف، لأنه لن يكون ما لم يقدر!
وأما ما قدر وكتب فلن يتخلف ولن يتأخر ولن يتقدم!
فمم تجزع، ليس هناك مفاجآت، اعمل فكل ميسر لما خلق له، وإن كانت لك مصيبة
في أم الكتاب فهي واقعة في الحالين، فبادر أنت بالعمل لتكون مأجورا على
المصيبة.. بدلا من أن تأتيك وأنت مقصر متواكل، وقف موقفا شريفا من
مسؤولياتك بلا رعونة وبلا تردد، بعد أن تفكر وتتدبر الحكمة لا أن تساق
بعاطفة فقاعية..
فالحياة الداخلية لقلبك ـ التي تختلف عن النبضات في
غرفة العناية المركزة - بيقينه وثقته وتعلقه برضوانه سبحانه ستثمر حماية
القلب من الأمراض ومن الهلاك! من الجزع والطمع والشح والهلع!
من الخواء والقلق والتوتر والذعر..
من الحزن المرضي والفرح الهوسي!
وستثمر ظاهرا حفظ البدن والأعضاء عن الدنايا والرزايا والموبقات والمفاسد!
لأنه سيصير شغوفا بالترقي مزدريا للتولي وطالب النور مبصرا مصونا! أما القانع بجهله الوالغ في غيه:
إذا أنتَ لم تُعْرِضْ عنِ الجهل والخَنَا = أصبتَ حَليماً أو أصَابَكَ جاهل!
وتثمر
كذلك حفظ اللسان عن اللغو والثرثرة! نتيجة حرصك على رضا مولاك ويقينك
بصفاته، وأن الله معك بعلمه وشاهد عليك، وخبير بما في صدرك: {بِذَاتِ
الصُّدُورِ} وبما {تُخْفِي الصُّدُورُ}! و{يَعْلَمُ خَائِنَةَ
الْأَعْيُنِ}!
فلو علمت وثبت لديك بالنظر والتدبر ويقين الفطر أنه رزاق
وأنه وحده يتحكم في كل شيء والأسباب تعمل بأمره وتقف بأمره.. فلن تكون هناك
ذلة منك لأحد غيره.. وهذا منتهى العز في الدنيا والآخرة..
ومن مقتضاه أنك لن تخاف الموت وأنت صحيح!
بل تحب الشهادة:
من كان يكره أن يلقى منيته = فالموت أشهى إلى قلبي من العسل!
وبالمثل
يقينك بصفات الغنى والكرم والرحمة والإحسان والجمال سيثمر أملا كبيرا
وتعلقا وحبا وجوا من البهاء والسناء والطمع في رحمته وأعمالا بأعضائك
مبعثها أملك ورغبتك وتطلعك.
ومبعثها الحب والشوق لرؤية الخلاق العليم! الذي هو جميل ويحب الجمال!
وبيانه
يناديك في الكتاب كأنما هو قائل لك: أنا خلقتك وسأعينك! ولو أخطأت سأتسامح
معك لآخر لحظة في عمرك، فتب إلي أتب عليك، وتعلم سبيلي أرفعك درجات
عاليات!
ويأخذك القرآن كأنما نزل لك ولحالتك، ويدرك كل فكرة تنبت
فيمسكها! ثم ينتقل للتي تليها بمجرد ما تقفز لذهنك، وكل شعور يعالجه
ويداويه! وأنت منبهر من العرض والمحتوى والتسلسل! ومن الكشف عما بك ويجعل
أنفاسك تتلاحق..
***
أحين تزول الراحة يتمنى الموت، لا طلبا في الجنة.. لكن يأسا من الحياة..
أحمل رأساً قد مللت حمله= وقد مللت دهنه وغسله
ألا متى يطرح عني ثقله؟!
أكنت حيا لذلك؟ لتحمل وتغسل وتدهن؟
فأين
مفهوم البلاء الذي هو مقتضى التفريق بين الدارين في الكتب الثلاثة؟ وهل
ولد ليتنزه؟ وميثاق خلقه سؤال العافية أو رفض الحياة؟ وهل سيقضون بأنه لا
يخرج عن مسمى الإيمان؟ إن قصة الذبح والفداء معترف بها، بغض النظر عن
الذبيح لدى أهل الكتاب! فسبحان الله... إن حكمة الابتلاء أو الأمر قد تخفى
فهل نحن شركاء للآمر كي نعترض؟ ونستبق اللقاء؟ فماذا لو كان الميزان تنقصه
حسنة, كلمة أو لحظة امتنان وندم؟!
طبيعة الدنيا يا قوم
انظروا عباقرة السلف
"ينبغي
للمتيقظ أن لا يتأسف على ما فات، وأن يتأهب في حال صحته قبل هجوم المرض،
فربما ضاق الوقت عن عمل واستدراك فارط أو وصية فإن لم تكن له وصية في صحته
فليبادر في مرضه وليحذر..
ينبغي للعبد أن لا ينكر في هذه الدنيا وقوع
هذه المصائب على اختلاف أنواعها ومن استخبر العقل والنقل أخبراه بأن الدنيا
محل المصائب، وليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بالكدر فكل ما يظن
في الدنيا أنه شراب فهو سراب، وعمارتها وإن أحسنت صورتها خراب، وجمعها فهو
للذهاب، ومن خاض الماء الغمر لم يخل من بلل، ومن دخل بين الصفين لم يخل من
وجل، فالعجب كل العجب ممن يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللسع؟! وأعجب منه
من يطلب من المطبوع على الضر النفع!!".
ثم ما يدريك أنك لن تموت عاجلا؟
والسليم تأتيه لحظة فيقضي نحبه دون سابق إنذار! والميئوس منه يفيق بعدما كتب على ملفه: لا ينعش!
فلم تنجه مل الموت حزم وحيلةً = وقد كان محتالاً كثير التجارب!
يجب أن ننظر فيما بقي من نعم ونحمد الله عليها:
قليلا ما تشكرون..
سبحان الله..
نعم.. والله عددت اثنتين فأخجلني قصور لساني وقلبي عن شكرهما، وتصورهما أصلا وتقديرهما...
أستغفر الله.. الحمد لله.. أوزعنا يا رب الشكر والصلاح.
فاغسلوا
أنفسكم يا قوم.. وخافوا الحق لا تبادروا! بل اعملوا بما بقي لكم من قدرة
فيما بقي لكم من وقت، كيف أطمئن لعملي وأنهي فترة الزرع وأذهب للحساب
بنفسي؟ عسى ألا تكون سبقت لي الشقاوة أو نسج تابوتي من نار!
وبعد الآن ولا أدري! وهي فرصة للأحياء قبل بغتة موت كتلك:
* يجب تقدير النعمة قبل أن تزول.
* يجب تفقد القلب واختباره ومعالجته والبحث عن تصفيته.
لله خالق كل شيء كما هو جلي! لم يخلق شيئا عبثا، والعدل أصيل! والقيامة حتم لتمام الحكمة! ففيم تعجلك؟
يوما ما سيسألك الله: هل رأيت نعيما قط؟ أو: هل رأيت بؤسا قط؟ فهل أنت مستعد؟
قد يقيمك الله ثانيا من نومتك وهذا العجز التام! فهل تتأبى؟
الله
عظيم! خلق هذا الإبداع المعجز المرتب بعناية فائقة، ويتصرف بشكل خارق
للأسباب ليرينا وجوده ويقربنا منه، ويحق سننا عادلة ثابتة في الكون..
أفلا شغلت فكرك به وروحك معه؟ إن كان لك دين؟ وبقي فيك عقل؟
ووحّشوا بكتاب الله واتخذوا = أهواءهم في معاصي الله قربانا
الله
تعالى منزه عن مشابهة الخلق، وصفاته ثابتة كاملة جميلة جليلة، كلها خير
وهيبة وعدل وكيفيتها لا ندركها، فذاته سبحانه ليس كمثلها شيء ولا نحيط بها
علما.
وكل اسم حسن لله له تأثير وينبغي أن ينعكس علينا لو عرفناه!
وكل
صفة عليا تستلزم وتحتم ظهور أثر في شعورنا وإحساسنا وعواطفنا، وفي فكرنا
وعقلنا وعقيدتنا، وفي سلوكنا وتصرفاتنا! فنسير في أعمالنا كأننا نرى الله
تعالى ونتلمس رضاه عالمين أنه تعالى يرانا بلا مرية.. فإذا بادرنا
بالتغيير والنهضة فهي على نور من الله، وهو واجبنا أن نغير بل سنمسخ قردة
وخنازير إن بقينا كما نحن، لكنا نغير بكل طريق مشروع! فلسنا ملحدين، فهل
صلى الفجر يومها من نحر نفسه؟ وهل قرأ يومها ورده؟ ثم مضى ليحرق نفسه؟وهل
رضي الله عنه وهو يهدم بنيانه ويجزع؟ وهل هذا هو سبيل الله؟
وإن كان هو غير ضابط لتصرفاته ساعتها فهل كلنا كذلك، ونحن نصفق ونشجع المنتحر التالي؟