[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
تقود سيارتك في مشهد يومي متجه إلى مقر عملك، تستوقفك إشارة المرور
الحمراء؛ تنظر حولك فتفاجأ بأعداد السيارات التي تشاركك لحظة الانتظار
الطويلة، تنزعج للتأخير ثم تتعهد بينك وبين نفسك بالخروج في اليوم التالي
قبل الموعد المحدد بنصف ساعة؛ حتى تستطيع الوصول قبل مديرك الذي تكررت
ملاحظاته حول تأخرك، عيناك تراقب مرور الثواني البطيئة حتى يضيء وميض
الإشارة الخضراء؛ سماءك الملبدة بغيوم القلق تتحرك مسرعاً محاولاً تجاوز
السيارات التي تتعجل مثلك للوصول إلى نهاية الطريق قبل أن يتبدل اللون إلى
الأصفر؛ مبدياً اعتذارك للسائقين الذين تجاوزتهم بابتسامة مصطنعة مستعيناً
بلغة الإشارة لإفهامهم بأنك متأخراً، ولكن قد تجد نفسك مضطراً للتوقف للمرة
الرابعة والأخيرة عند بداية خط المشاة. فجأة يبدد صوت السكون منبه
سيارة «الإسعاف» الذي لا يمكن تجاهله للتحرك بعيداً عن سيارة الإسعاف؛
يحاول المرور بين المساحات الضيقة للسيارات التي يزداد أعدادها كل لحظة،
فماذا تفعل تبعا لتقديرك الإنساني.. تنتظر.. أم تقرر قطع الإشارة من أجل
السماح لرحلة الإنقاذ المتعسرة الوصول الى بر الأمان؛ ليرصدك فلاش ساهر
وتسجل عليك مخالفة مالية، وذلك في ظل غياب التخطيط المناسب للشوارع التي
تجاهلت ممرات الطوارئ المخصصة «لسيارات الإسعاف». بعيداً عن المهمة
الإنسانية «لسيارة الإسعاف» التي تحاول تنفيذها بدقة من أجل الوصول
بإمكاناتها الطبية لإسعاف الحالات الحرجة؛ فإن المهمة الأخرى لها تتشكل في
الوصول إلى أقرب مستشفي لإنقاذ مريض، ما قد يجعل مهمة الوصول به إلى بر
الأمان أحياناً أشبه بالمهمة المستحيلة التي تواجه «سائق سيارة الإسعاف»
الذي قد يتمني أحياناً لو أن باستطاعته التحليق عالياً في الفضاء بسيارته
لتجاوز ازدحام طوابير السيارات الممتدة لمسافة لا تقل عن الكيلو متر،
متجاوزاً بذلك كل الضوابط المرورية المعمول به فوق سطح الأرض، في ظل توسلات
أهل المريض له بسرعة الوصول لإنقاذه؛ فالمؤشرات الحيوية للحالة لا تدعو
للاطمئنان أبداً. أكثر من حكاية إنسانية حاولت المرور بهدوء من بين
أنين الألم ولحظات الخوف من المجهول إلى نبض الحياة وتجديد ميلاد أوشكت أن
تذيبه حرارة المرض العالية، التي أذابت معها كل محاولتنا الجادة والصادقة
في منح الجسد المتعب الممد أمامنا فوق سرير الإسعاف بعضاً من أزهار الأمل
في الغد؛ لعلها تؤجل الغياب الحزين لأشخاص أقرب إلى قلوبنا من نبضها. ومع
كل نداء إسعافي «لسيارة الإسعاف» تنتقل فيه بين الجهات الجغرافية للمدن
حاملة فوق مساحتها الصغيرة حالة إنسانية طارئة قد لا تحتمل حتى مجرد تراجع
مؤشر سرعة السيارة قليلاً إلى الوراء؛ لتجد نفسها مجبرة لإيجاد حلول سريعة
للتغلب على ضعف تخطيط الشوارع التي تجاهلت وجود ممرات طوارئ خاصة بها؛
لتتجاوز من خلالها ازدحام السيارات بمختلف أحجامها والتي يطول انتظارها
وراء إشارة «المرور الحمراء». إن الجلوس بجانب مريض تنقله «سيارة
الإسعاف» يشعرك بأهمية الفاصل الزمني ولو لثواني معدودة؛ لأنها قد تكون
سبباً لتجديد أوجاع مرضه أو تدهور حالته، وقد تكون فاصلاً زمنياً لرحلة
مغادرة أبدية بعيدة عن حدود مطارات العالم التي ينص «بروتوكولها» على أن
يكون وداع المسافرين محملاً بالأماني السعيدة وقوائم الهدايا المزركشة
للأهل والأصدقاء، ولكن الوداع في سيارة الإسعاف لا حياة فيه، فالكلمات فقدت
إحساسها وذاكرتنا يصعب عليها تجاوزها؛ لأنه ذكرى وداع لأشخاص أقرب إلى
قلوبنا من نبضها التي عاشوا فيها وغادروها من دون ميعاد؛ ولأننا أيضاً كنا
نخاف عليهم حتى من مجرد خيال عابر لألم لم يغادر خيالنا. إن غياب
الشعور الإنساني من بعض سائقي السيارات تجاه نداء سيارة الإسعاف، وذلك بعدم
محاولة تسهيل مرورها وإعطائها الأولوية يشعرك بالإحباط الشديد، ربما لأن
قيمة الإنسان وحياته لا تساوي شيئاً مقابل عبور السائق بسيارته بجانب سيارة
«الإسعاف»؛ فبعض السائقين يعدون الصوت الإسعافي بمثابة طوق النجاة لتسهيل
مهمة عبورهم خلفها أو بجانبها على إعتبار أنهم من أقارب المصاب، وعند أو
مفرق لشارع رئيس كانت تتجاوز كل إشارتها الحمراء لتغيب تلك السيارة التي
كانت تسابق الريح من دون عبارات تتمنى الشفاء العاجل للمريض الممد داخل
سيارة الإسعاف.