تفسير قوله : ( آتاني الكتاب وجعلني نبيا)
السؤال: في قوله تعالى من سورة مريم بسم الله الرحمن الرحيم : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ) مريم/30 . صدق الله العظيم . سؤالي : ما هو الكتاب الذي كان يعنيه سيدنا عيسى عليه السلام ، هل هو الإنجيل ؟ وإذا كان هو ، كيف يعطى لطفل في المهد ؛ هل يعني أنه يحفظه غيبا ؟ وكيف علمه للناس ؟
الجواب :
الحمد لله
المقصود بالكتاب في قوله تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) مريم/30 - هو الإنجيل ، وقد عبر بلفظ الماضي ( آتاني) ليدل على تحقق الوقوع ، فسيؤتيه الله الكتاب مستقبلا ، أو أن المراد : قضى أن يؤتيني الكتاب .
قال عكرمة : " ( آتَانِيَ الْكِتَابَ ) أي: قضى أنه يؤتيني الكتاب فيما قضى " حكاه ابن كثير عنه في تفسيره (5/ 229).
وقال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" : " وقوله : في هذه الآية الكريمة : ( آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً )، التحقيق فيه إن شاء الله : أنه عبر بالماضي عما سيقع في المستقبل تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع . ونظائره في القرآن كثيرة ، كقوله تعالى: ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) ، وقوله تعالى: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ)- إلى قوله -: ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، وقوله تعالى: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل ، تنزيلاً لتحقق وقوعه منزلة الوقوع بالفعل ، ونظائرها كثيرة في القرآن.
وهذا الذي ذكرنا ـ من أن الأفعال الماضية في قوله تعالى: ( آتَانِيَ الْكِتَابَ ) الخ، بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله . خلافاً لمن زعم أنه نبىء وأوتي الكتاب في حال صباه ، لظاهر اللفظ " انتهى .
والله أعلم .