عار المؤسسة الدينية المصرية
عبد السلام البسيوني | 21-02-2011 00:46
اسمحوا لي أن أعلن احترامي للأزهريين الشرفاء، الذين خرجوا بدوافع ذاتية، مناصرين للثورة، والذين كان حضورهم طوال أيام الثورة ظاهرًا باهرًا..
واسمحوا لي أن أعلن احترامي للسيد محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث الرسمي باسم الأزهر، الذي استقال، ليتكلم بحرية.. مؤكدًا أنه لن يترك الميدان إلا برحيل الرئيس مبارك عن الحكم.
واسمحوا لي أن أعلن اعتزازي بالأزهري الكبير الإمام الأكبر القرضاوي الذي يعد غرة في جبين الأمة وأزهرها، والذي تأخرت عليه المشيخة طويلاً لتعطى لأمثال الطيب وطنطاوي وبيصار!
وأعتذر إذا أغضبت هذه المقالة بعض القراء؛ فإنني أرجو أن تكون كلمة حق، ونفثة متحسر، وآهة وجع!
تأمل معي قارئي الحبيب:
خرج القضاة صفوفًا صفوفًا رافضين القهر والبلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج أساتذة الجامعة صفوفًا صفوفًا رافضين البلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج الصحفيون صفوفًا صفوفًا رافضين القهر والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج المحامون صفوفًا صفوفًا رافضين القهر والبلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج الشباب صفوفًا صفوفًا رافضين القهر والبلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج الحزبيون صفوفًا صفوفًا رافضين القهر والبلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج الفنانون والمغنون والرقاصون والهجاصون (بعد أن صهرتهم الثورة، وصقلتهم، وأطلقت أفضل ما فيهم) صفوفًا، رافضين البلطجة، والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج الإخوان والسلفيون والأزهريون (المستقلون) والمتدينون والصيع صفوفًا صفوفًا؛ رافضين القهر والبلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
وخرج عدد من أقباط مصر – ولا أظنهم في الجملة من الأرثوذكس - على الأقل في الأسبوعين الأولين – لمناصرة الثورة ودعمها..
بل حتى بتوع الأمن خرجوا – بعد أن اتضحت لهم الرؤية - صفوفًا صفوفًا، رافضين القهر والبلطجة والاستبداد الفرعوني غير المبارك!
خرجت الطوائف كلها إلا المؤسسة الأرنبية الداجنة.. المؤسسة الدينية الرسمية بجناحيها!
بل كانت مواقفها مخزية، وعارًا على مصر، والأزهر، والكنيسة، والثورة، والحقيقة!
شنودة ينفجر باكيا لسقوط الرئيس الوطني الديمقراطي جدًّا حسني مبارك – كما كتبت المصريون - الذي كان عونًا كبيرًا للطائفية، والتحريش والاحتقان بين المسلمين والنصارى، والذي لفق – بتدبير حبيبه - التفجيرات، ونصب الفخاخ لإشعال الأجواء، وسحْبِ الخارج المشبوه، ليتدخل في مصر، ويقلق أمنها، ويعرضها لمخاطر مريعة.. مستعينًا بالهوامين والقوارين والبلطجية وسفاحي أمن الدولة المجرمين، الذين كانوا يعزفون على أنغامه، ويحطبون في حباله!
• وأخونا الإمام الأكبر الطيب .. ولا هنا!
• وأخونا المفتي علي جمعة ودن من طين وودن من هباب!
• وأخونا زقزوق مطنش!
• وأخونا رئيس جامعة الأزهر مكبر راسه!
كأن مصر غير مشتعلة، وكأن البلطجة لا تجتاح الوطن..
وكأن الشباب لا يتساقطون..
وكأن إرهابيي وسفاحي أمن الدولة لا يثيرون الرعب، ولا يختطفون الشباب تنكيلاً وترويعًا وتعذيبًا وقتلاً..
وكأن القناصين لا يسكنون أسطح العمارات؛ لاصطياد الشباب الخضر..
لماذا تجاهلوا المنهج الأزهري التاريخي العظيم، الذي من رحاب مسجده الأكبر كانت تنطلق الثورات، وتتحرك الأمة، ويقود المشايخ الناس، ثائرين وسابقين وموجهين..
ومتناسين ما سنّه جهابذة علماء الأزهر كالمشايخ الكبار حسونة النواوي، وحسن الطويل، وعبد المجيد سليم، ومحمد بخيت المطيعي، والمراغي، والغزالي، وأبو زهرة، وغيرهم كثير!
دخل رياض باشا رئيس وزراء مصر على الشيخ حسن الطويل العالم الأزهري وهو يدرس لطلابه بدار العلوم، فما غير موقفه أو بدل جلسته، وحين هم رياض بالخروج قال له الشيخ: لماذا لا أكون وزيرًا معكم يا باشا؟! فدهش الزائر وقال: أي وزارة تريد؟ فقال: وزارة المالية؛ لأستبيح من أموالها ما تستبيحون!
وكانت لطمة أليمة توجه إلى حاكم ارستقراطي لم يألف التهكم والاستخفاف! فخرج ثائرًا مهتاجًا، وآثر ألاَّ يزور مدرسة أو معهدًا بعد ذلك!
وطُلب منه أن يرتدي ملابس خاصة يقابل بها الخديو توفيق، وحان الموعد المرتقب، فجاء بملابسه المعتادة، ومعه منديل يضم الملابس الرسمية، ثم قدمها للخديو قائلاً في بساطة: إن كنت تريد الجبة والقفطان فهاهما ذان، وإن كنت تريد حسن الطويل فها أنذا حسن الطويل!! ثم قال الشيخ لجلسائه: كيف أتجمل لتوفيق بلباس لا أتجمل به لربي في الصلاة؟
هل أزيد من إيراد نماذج من الأزهريين وعلماء الدين الشرفاء؟!
خذ يا سيدي: دخل إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر المسجد الأموي، حين كان الشيخ سعيد الحلبي يلقي درسه في المصلين. ومر إبراهيم باشا من جانب الشيخ، الذي كان مادًّا رجله، فلم يحركها، ولم يبدل جلسته، فاستاء إبراهيم باشا، واغتاظ غيظًا شديدًا، وخرج من المسجد وقد أضمر في نفسه شيئًا.
ولأنه كان يعلم أن أي إساءة للشيخ ستفتح له أبوابًا من المشاكل لا قبل له بإغلاقها، فقد هداه تفكيره إلى طريقة ناعمة ينتقم منه بها، طريقة الإغراء بالمال، فإذا قبله الشيخ فكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يضمن ولاءه، ويسقط هيبته في نفوس المسلمين، فلا يبقى له تأثير عليهم.
وأسرع إبراهيم باشا فأرسل إليه مبلغًا يسيل له اللعاب في تلك الأيام، وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلامذته ومريديه.
وانطلق الوزير بالمال إلى المسجد، واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه، فألقى السلام، وقال للشيخ بصوت عالٍ سمعه كل من حول الشيخ: هذه ألف ليرة ذهبية يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك.
ونظر الشيخ نظرة إشفاق نحو الوزير، وقال له بهدوء وسكينة: يا بني، عد بنقود سيدك وردها إليه، وقل له: إن الذي يمد رجله، لا يمد يده.
إن الذي يمد رجله، لا يمد يده! هكذا كانوا.. صح يا طيب!؟
ومولانا الطيب رجل رسمي (شاطر) في استخدام ألفاظ الحزب الوطني (لقد سبق الأزهر كل الأصوات التي تركب الموجة الآن، وتتاجر بالدين والأخلاق (!) وتنتهز الفرصة لإفراغ أحقادها وسمومها السوداء (!) على الأزهر وعلمائه الشرفاء، سبق الأزهر الجميع، حين طالب بحق سائر القوى السياسية (دون إقصاء) فى إجراء حوار فورى يهدف إلى احتواء الأزمة ورأب الصدع (!) متى أيها الطيب؟
دون إقصاء!!؟ يا خبر! ألست أنت رجلاً إقصائيًّا هددت أساتذة في الجامعة العتيدة - أيام كنت رئيسها – يخالفون دروشتك، بإبعادهم، وقلتها لهم صريحة: لا مقام لكم فارجعوا!؟
ما الفرق بينك وبين بيصار خادم اتفاقية كامب ديفيد، ومحمد سيد طنطاوي العجيب الغريب، اللذين وافقا مبارك ودعوا له، وأيدا منهجه؟
وأين الأخ زقزوق موحد القطرين - أقصد موحد الخطبة والأذان - وحاشد الجهود ضد الإسلام الراشد المؤثر، ومقلص دور المسجد والخطبة والعلماء؟
أين زقزوق القائم بأمر وزارة الداخلية، وصاحب الجرأة المشهودة في التعدي على أحكام الدين، وذو الباع الطويل في التهجم والتهكم على أهل الشريعة، والترقيع لأهل الحزب الوطني، والسير وفق ما يشتهون، وهو من ذلك الكورال المردد لتوصيات الحكومة عمومًا، والذي وضع كثيرًا من الأمور الشرعية الواجبة والمستحبة ضمن سياق العادات لا العبادات، كجواب سهل وماكر يشتت السائلين، ويجعلهم يتشككون في كثير من أمور دينهم وتكاليفه، فينظرون إليها أنها من عوالق الجاهلية، فيزدادوا جهلاً على جهلهم، وابتعادًا عن الإتيان عن أوامر الله، وهو ما أهَلَّهُ للارتقاء إلى هرم وزارة الأوقاف، ومَكَّنَهُ من المكوث فيها كوزير ما يقرب من أربعة عشر عامًا (!) كقربان خضوع واستسلام يقدمه كل من أراد الاقتراب من أهل الرياسة، كما كتب محمود ناجي الكيلاني!
وأين علي جمعة الهجام السباب الجريء ذو الألسنة السبعة، الذي لا يرى غير نفسه وطريقته ودروشته؟ أين علي جمعة (شيخ الطريقة) الذي ناشد المتظاهرين في كل المدن - وخاصة في ميدان التحرير - العودة إلى بيوتهم، بعد أن استجاب الرئيس حسنى مبارك في بيانه للإصلاحات التي طالبوا بها (!) حتى تستمر الحياة، وحتى تتجنب مصر شر الفتنة (!).
والذي حيا الزعيم العادل الرحيم مبارك (الذى عرض الحوار، واستجاب لمطالب الشعب (!) ودعا الجميع إلى أن يتركوا الشرعية تعمل، وأن المظاهرات دعوة إلى الفوضى، وإلى الفتنة، وإلى عدم الاستقرار.
والذي قال إن ما يحدث فتنة وطريق مظلم، يؤدى إلى حرب أهلية، وإلى إهدار جموع الناس ودمائهم، والاعتداء على أموالهم، وإن هذه الطريقة العجيبة ليس فيه تقوى (!) والذي خاطب الناس في البيوت، وفى الشوارع كي يمنعوا أولادهم، ويسحبوهم من الشوارع، وأن الدين للهداية وليس للاستغلال السياسي، وليس سلمًا نصل به إلى الأغراض الدنيوية!! وأن الذى يحدث مرفوض بكل المقاييس.
وأين الأخ (شيخ الطريقة) ذو الصوت الزاعق أحمد عمر هاشم، عاشق (السيد البدوي المهاب، الذي إن دعي في البر والبحر أجاب!) والذي جففت في عهده مناهج جامعة الأزهر، ومعاهده، بمشاركة (طيب الذكر) الطنطاوي، والذي كان حاضرًا في كل مناسبة سياسية، بحكم كونه أيضًا (شيخ طريقة) وعضوًا في مجلس الشعب الفاسد، والحزب الوطني الفاجر، ومجلس الشورى المفضوح!
وأين رؤساء جامعة الأزهر المدجنون من قبل أحمد عمر هاشم، مرورًا بالطيب، وصولاً إلى الأخ الرئيس الحالي عبد الله الحسيني، حرسه الله، الذي أطلق أول تصريح له – بعد توليه الرئاسة - بلغة أمنية كأنه حبيب العادلي، أو مدير أمن الدولة: (وسيتم الوقوف لها بالمرصاد/ أي خروج عن تقاليد وأعراف وقوانين وثقافة الأزهر سيتم مواجهته بالحزم والقانون "يقصد النقاب"/ أرفض بشدة أية محاولة لاختراق الجامعة ثقافيا أو فكريا، برؤى تخالف توجهات الأزهر الشريف)، والذي ثبّت الأمن في الجامعة، وبرر العدوان الهمجي على الطالبة الأزهرية سمية أشرف، مبيضًا صفحة الضابط البلطجي المجرم الذي ضربها بخرطوم، وأصابها بنزف داخلي، وسبها بألفاظ سوقية حقيرة).
ألم تلحظوا أنهم كلهم تقريبًا دراويش وشيوخ طريقة؟! ماذا يحمل هذا من دلالات!؟
استقيلوا يا رحمكم الله.. واغربوا عن وجوهنا.. واستخلفوا أزهريين منصفين علماء، ذوي همم رفيعة، ومواقف تبقى لهم عند الله تعالى وعند عباد الله!
استقل يا طيب.. انصرف يا جمعة.. انقلع يا زقزوق.. ارحل يا عبد الله الحسيني.. تب لربك يا هاشم..
اصح يا أزهر.. وعد لأمجادك..