د.ابراهيم بن حسن الخضير
جنون العظمة والذي ينتاب بعض الأشخاص في مرحلةٍ ما مرض من الأمراض العقلية
المعروفة خاصةً الاضطراب الوجداني ثنائي القطب أو مرض الفُصام وأحياناً
يأتي جنون العظمة كمرض وليس كعرضٍ لمرض.
جنون العظمة يأتي عادة كعرض من أعراض الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب.
فيكون الشخص مرتفع المزاج، يشعر بأن مزاجه في أفضل وضع، فهو كثير الضحك على
أقل الأشياء حتى وإن كانت أمورا لا تُضحك وليس بها طرافة، ولكن نظراً
لإرتفاع مزاج الشخص الذي يُعاني من نوبة هوس فهو في قمة ارتفاع المزاج.
ويُصاحبُ عادةً نوبة الهوس أعراض كثيرة ؛ فالشخص المُصاب بالهوس يكون كثير
الكلام، لا يتوقف عن الحديث وينتقل من موضوع إلى موضوع آخر دون أن يكون
هناك رابط بين المواضيع التي يتحدث فيها. ويكون أيضاً كثير الحركة قليل
النوم، وقد لا ينام لعدة أيام وهذا الأمر قد يؤدي بالمريض إلى الإجهاد
الشديد مما قد يقود إلى الوفاة في بعض الحالات التي يقوم فيها المريض
بالحركة المستمرة دون أخذ قسطٍ من الراحة أوالنوم. لذا فإن من الضروري
إدخال المريض الذي يُعاني من الهوس إلى المستشفى حتى يتم إعطاؤه أدوية
مُهدئة كي ينام ولا يتعرض إلى السقوط ميتاً من الإجهاد الذي يقوم به دون أن
يكون لديه أي إحساس بأنه بحاجةٍ إلى الراحة.
يتجاوز الحدود الاجتماعية
أيضاً من أعراض الهوس أن الشخص يتجاوز الحدود الاجتماعية، فقد يتحدث بكلام
بذيء، يتعلق بالأمور الجنسية أمام قريباته من النساء مثل بناته أو شقيقاته
أو أي من أقاربه النساء وقد يتعدى ذلك إلى اللمس في المناطق الحساسة من
نساء يمتن له بصلة قرابة، وأحياناً يسبب مشاكل لأقاربه إذا تعدى على إمرأة
في مكانٍ عام بالفاظ جنسية بذئية، أو حتى يقوم بلمس امرأة تكون عابرة أو
متواجدة معه في مكانٍ عام في الأسواق أو أي من المحلات العامة. الأمر
الخطير في إضطراب الهوس هو التبذير في المال. فتجد الشخص الذي يُعاني من
الهوس يصرف من المال بشكلٍ غير طبيعي، فيقوم بالشراء بمبالغ كبيرة أكثر مما
يملك، وقد يقوم بشراء هدايا لأشخاص لا تربطهم به علاقاتٍ قوية أو أن يُعطي
أموالاً كبيرة لأشخاص عرفهم لفترة قصيرة، وقد يستغله البعض، خاصةً إذا كان
يملك أموالاً طائلة. وربما أشترى عددا من السيارات الفخمة بالتقسيط
وأقلاما باهظة الثمن أو لوحات فنية بمبالغ كبيرة.
يدّعي المريض بأنه نبي
نأتي إلى أكثر أعراض الهوس خطورةً هو جنون العظمة. فقد يدّعي المريض بأنه
نبي مُرسل من الله إلى البشر ليهديهم ويطلب من الآخرين أن يُعاملوه كنبي
ويقدموا له الولاء والطاعة كنبي مُرسل، وقد يستخدم ألفاظاً لإقناع الآخرين
بأنه نبي . وبعضهم يدّعي بأنه المسيح عيسى بن مريم ويطلب من الآخرين
الإيمان به، وبعضهم يدّعي بأنه المهدي المُنتظر وأن الله أعاده إلى الحياة
كي يقيم العدل ويهدي الناس إلى الإيمان.
المشكلة تكمن في أن هذا المرض قد يُصيب الأشخاص في أي مرحلة عمرية.
وأحياناً يأتي هذا المرض لأشخاص ذوي مكانة علمية أو اجتماعية في مجتمعهم
ويجعل الناس مشوشين بالنسبة له. وربما لأن بعض الناس لا يعرفون المرض فقد
يظنون بأن هذا الشخص يتعمّد القيام بهذه الإدعاءات وقد يتعرض للإيذاء من
قبل العامة الذين يستشيط بهم الغضب لإدعاء شخص ما بأنه نبي أو أنه المهدي
المنتظر أو بأنه عيسى بن مريم. ولا يقتصر الأمر على الإدعاء بأمورٍ دينية
ولكن ربما أدعّى المريض بأنه شخصية سياسية كبيرة أو أنه أمير أو ملك أو
وزير . وقد حدثت حادثة طريفة في السودان قبل عدة عقود، إذ كان هناك تغيير
وزاري وجاء رجل إلى وزارة المالية وهو يرتدي ملابس فخمة وأخبر الحراس بأنه
الوزير الجديد للمالية وصدّق الجميع بأنه الوزير الجديد للمالية وذهب إلى
مكتب الوزير وجلس على مقعده . ولكن القضية انتهت بعد وقتٍ قصير حينما جاء
الوزير الحقيقي وتم أخذ المريض إلى مستشفى الأمراض النفسية.!.
و يدّعي المصابون بجنون العظمة بأنهم أصحاب اكتشافات علمية هامة، أو أنهم
أطباء لهم باعٌ طويل في تخصص مُعقد وقد يخدع بعضهم عامة الناس خاصةً في
القرى والأرياف ولكن غالباً ما ينكشف أمره ويؤخذ إلى المكان الصحيح لمن هم
في مثل حالته، وهو مستشفى الأمراض النفسية.
أحد أعراض مرض الفُصام
جنون العظمة قد يكون أيضاً أحد أعراض مرض الفُصام. فمريض الفُصام قد يُعاني
من ضلالات، وهنا تكون أشد وأصعب، فمريض الفُصام إذا كانت لديه ضلالة بأنه
نبي أو أنه عيسى بن مريم أو المهدي المنُتظر، فإنه يتصرف وفق ما يعتقده،
وقد يكون يُشكّل خطراً على الآخرين إذا اعترضه أحد أو كذبّه شخص لا يعرف
طبيعة مرض الفصُام فقد يكون شرساً وعدوانياً بصورةٍ خطرة..!
وقد يدّعي مريض الفُصام بأنه مثلاً من العائلة المالكة، رغم أنه يكون من
دون مأوى ومُشرّدا في الشوارع يقتات من الفضلات في حاويات القمامة ومع ذلك
يُصر على أنه من العائلة المالكة، ويطلب من الآخرين أن يعاملوه كفردٍ من
الأسرة المالكة كما حدث لمريض في مدينة لندن من المُشرّدين في الشوارع
والذي يُصر على أنه ابن عم الملكة وهو يتسول ويأكل من القمامة وملابسه رثة
ممزقة وينام على الرصيف أو في محطات قطار الأنفاق ويصرخ بشكلٍ هستيري بأنه
أحد أفراد الأسرة المالكة البريطانية وأنه سوف يذهب ليأخذ مكانه في قصر
باكنجهام مع قريبته الملكة.!
مشكلة آخرى لجنون العظمة، وهي أن بعض من يُصابون بجنون العظمة يكون مثلاً
طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو صاحب مكانة اجتماعية، فيدّعي بأنه أصبح
نبياً، وأن الوحي قد تنزّل عليه، ونظراً لمعلوماته وقدراته فإنه قد يستطيع
إقناع بعض البسطاء .!. وقد يدعي مثل هؤلاء الأشخاص بأنه مُرشح لرئاسة
الوزراء وأنه يستعد لتولي المنصب، ويبدأ في سرد تفاصيل كيفية اختياره
لرئاسة الوزراء، ويُقنع الناس بأنه سوف ينُهي الفساد وكيف أنه رفض ولكن تم
الضغط عليه من قِبل المسؤولين وأن الناس أصّرت عليه ويبدأ يتصرف كما لو أنه
رئيس وزراء حقيقةً، وقد يخدع بعض البسطاء لفترةٍ بسيطة. وقد يدّعي بعض
أصحاب المهن التي ذكرناها قبل قليل بأنهم أصبحت لديهم قدرات خارقة منحها
الله لهم مثل شفاء الأمراض المستعصية مثل أمراض كالسرطان ونقص المناعة وفشل
الكلى والكبد وأمراض كثيرة مستعصية، وقد يُصّدق الناس البسطاء أيضاً
بقدرات هؤلاء، بل ربما صدّق بهم بعض الأشخاص المتعلمين ولجأوا إليهم.!
بعض الذين قد يُصابون بجنون العظمة لا يكون لديهم مرض عقلي ولكن تأتي أعراض
جنون العظمة كجزء من شخصية الفرد، وتتطور لتُصبح بشكلٍ مرضي، وغالباً
هؤلاء لا يدّعون النبوة أو أنهم إحدى الشخصيات الدينية مثل المهدي المنتظر
أو عيسى بن مريم ولكن يدّعون بأنهم أمراء أو وزراء أو من كبار التجار،
ويتصرّفون على هذا الأساس . فيصرفون أموالاً طائلة وقد يخدعون بعض أصحاب
المحلات التجارية أو الفنادق.
كيف يُعالج المريض بجنون العظمة؟
إذا كان جنون العظمة نتيجة مرض عقلي، مثل مرض الاضطراب الوجداني ثُنائي
القطب، فعندئذ يجب إدخال المريض إلى مستشفى نفسي أو قسم نفسي لكي يُعالج
المرض المُسبب. فيُعطى المريض أدوية مضادة للذُهان وأدوية مهُدئة لكي
يستريح من كثرة الحركة ولا يتعرض للإجهاد ويؤدي ذلك إلى أمور لا تُحمد
عقباها. يجب أن يستمر المريض على العلاج لفترةٍ طويلة . أما إذا كان المريض
مُصاباً بالفُصام فيجب أيضاً إدخاله إلى مستشفى أو قسم نفسي للعلاج من مرض
الفُصام . وكما هو معروف فعلاج مرض الفصام ليس سهلاً، وترك مريض الفصام
الذي يُعاني من ضلالات جنون العظمة في الشوارع قد يكون خطراً يُهدد
المواطنين الأبرياء أو أهل المريض.
في جميع الحالات التي يكون فيها الشخص يُعاني من مرض جنون العظمة، فيجب
عرضه على طبيب نفسي لكي يتأكد من مدى خطورة المرض، وتشخيص السبب لهذا
السلوك المرضي والذي قد يكون خطيراً على أشخاص أبرياء.
بالنسبة لمن يصطدم بشخصٍ مثل هؤلاء المرضى بجنون العظمة يجب عليه عدم
المُصادمة معه لأن ذلك قد يكون خطراً على الشخص الذي يتعرّض له، خاصةً إذا
كان المريض يحمل سلاحاً، أو كان الشخص الذي يتحداه ويصطدم معه وحيداً وليس
هناك من يُساعده إذا إحتاج للمساعدة من إيذاء هذا المريض. العلاج الدوائي
مهم جداً، وكذلك إدخال المريض إلى قسم نفسي لكي تتم حمايته من نفسه وكذلك
حماية الآخرين من خطورته.