تفسير سورة العاديات
وهي مكية
1 -
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِالرَّحِيمِ ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِصُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ .)
أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل، لما فيها من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق.
وأقسم [تعالى] بها في الحال التي لا يشاركها [فيه] غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا أي: العاديات عدوًابليغًا قويًا، يصدر عنه الضبح، وهو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد العدو .
فَالْمُورِيَاتِ بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار قَدْحًا أي: تقدح النارمن صلابة حوافرهن [وقوتهن] إذا عدون، فَالْمُغِيرَاتِ على الأعداء صُبْحًا وهذا أمرأغلبي، أن الغارة تكون صباحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ أي: بعدوهن وغارتهن نَقْعًا أي: غبارًا، فَوَسَطْنَ بِهِ أي: براكبهن جَمْعًا أي: توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم.
والمقسم عليه، قوله: إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أي: لمنوع للخير الذيعليه لربه .
فطبيعة [الإنسان] وجبلته، أننفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنعلما عليه من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصفالسماح بأداء الحقوق، وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ أي: إن الإنسان على ما يعرفمن نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك أمر بين واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي: إن العبد لربه لكنود، والله شهيد علىذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو لربه كنود، بأن الله عليه شهيد.
وَإِنَّهُ أي: الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ أي: المال لَشَدِيدُ أي: كثير الحب للمال.
وحبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدمشهوة نفسه على حق ربه، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة، ولهذاقال حاثًا له على خوف يوم الوعيد:
أَفَلا يَعْلَمُ أي: هلا يعلم هذا المغترإِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ أي: أخرج الله الأموات من قبورهم، لحشرهم ونشورهم
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ .
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ أي: ظهر وبان [ما فيها و] ما استتر فيالصدور من كمائن الخير والشر، فصار السر علانية، والباطن ظاهرًا، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ أي مطلععلى أعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، ومجازيهم عليها. وخص خبره بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كل وقت، لأن المراد بذلك، الجزاء بالأعمال الناشئ عن علم الله واطلاعه.